الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة "البساط الأحمر 2" لرياض الفهري: سيمفونية قرطاجية عانقت الرقي والتميز

نشر في  22 جويلية 2025  (11:11)

 حط "البساط الأحمر" مساء الأحد 20 جويلية 2025 بالموسيقار رياض الفهري على الركح الروماني ضمن فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي في سهرة كان عنوانها " الرقي والتميز".

ساعتان من موسيقى عابرة للتاريخ والجغرافيا رحلت بالحضور وغاصت به في أعماق الموسيقى العالمية، بتصور فني وركحي شكل مشهدية ساحرة في سهرة قرطاجنية غير قابلة للنسيان. عند تمام العاشرة مساءً، اشرأبت الأعناق نحو العلم التونسي الذي رفرف عاليا في سماء قرطاج، مرددة النشيد الوطني في مشهد مهيب.

قبل أن تعتلي الركح فرقة موسيقية ضمت عازفين من جنسياتٍ مختلفة، وعلى شاشة عملاقة عرضت مقتطفات من مسلسل "المايسترو"، تذكيرا بكون هذا العمل الدرامي مستوحى من قصة الموسيقار رياض الفهري وتجربته الإنسانية الملهمة في مراكز إصلاح الأطفال بين عامي 1993 و1999، حيث تطوع لتعليم الموسيقى لشباب مهمش، وقد جسّد مسلسل "المايسترو"، للمخرج لسعد الوسلاتي، هذه التجربة الفريدة، مع الإشارة إلى أن الفهري قام بتأليف موسيقى العمل التصويرية.

"البساط الأحمر 2" رحلة فنية حسية تراقصت فيها الأنغام وتمازجت الثقافات والموسيقات، وعانقت فيها الموسيقى الشرقية نظيرتها الغربية. في هذه النسخة، بدا الفهري أكثر تحررا على الركح مقارنة بالنسخة الأولى التي قدمت سنة 2009، حيث نجح في خلق توليفة فنية ألغت كل الحدود بين الأنماط الموسيقية المختلفة، فمزج بإتقان شديد بين الموسيقى التونسية وإيقاعات الفلامينغو الإسبانية والكانتري الأمريكي، والنابوليتان الإيطالي، والجاز العالمي، ليشكل بذلك لوحة فسيفسائية موسيقية عابرة للقارات.

أداء نابض بالحياة والطاقة، لامس قلوب الحاضرين طيلة العرض، حيث تفاعل الجمهور حدّ التخمر مع العازفة اليابانية المتألقة ساياكا كاتسوكي، وعازف الناي التونسي المبدع حسين بن ميلود، وعازف البيانو الإيطالي مارسيلو بيوندوليلو، والمغني الأمريكي برينان جيلمور الذي أدهش الجمهور بإتقانه للهجة التونسية من خلال أدائه لأغنية "الله الله يا بابا". في "البساط الأحمر 2"، غازل كل عازف آلته بحب وشغف، لتتولد لحظات من النشوة الفنية التي بلغت حدّ التماهي، قبل أن تتشكل ثنائيات فريدة بين الناي والكمان والقانون والترومبيت، في حوار موسيقي ساحر.

وكعادته، لم يغفل الفهري عن رسالته الإنسانية النبيلة تجاه الطفولة، حيث قدمت "Orchestra Playtoys"، مجموعة من المعزوفات والألحان الشهيرة بالاعتماد على آلات موسيقية مصنوعة في الأصل من ألعاب الأطفال, لفتة فنية مؤثرة كانت بمثابة تذكير بأهمية الفن في بناء مستقبل الأجيال، وتأكيدا على أن الإبداع لا يعرف حدودا أو قيودا.

قبل أن يسدل الستار على سهرة كسبت من خلالها الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان قرطاج الدولي الرهان، رفرف العلمان التونسي والفلسطيني في سماء قرطاج، لتشدو إسراء بن سليمان بأغنية "إسراء تحلم بفلسطين"، في لحظة مؤثرة جسّدت عمق التضامن الإنساني والفني.

لم يخلُ الحفل من المؤثرات البصرية، إذ وظّفت تقنيات الإضاءة والصوت على مستوى عال من الاحترافية، مما ساهم في خلق تجربة حسية متكاملة. لقد أضفت الجمالية البصرية، التي صاحبت الإيقاع الموسيقي، بعدا آخر لهذا العرض، حيث أصبحت النوتات تتناغم بشكل مثير وساحر مع الألوان والأضواء، لترسم لوحات فنية بصرية تُكمل السيمفونية الموسيقية.

لقد كان عرض "البساط الأحمر 2" في الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي بمثابة لوحة فسيفسائية ناطقة بالمحبة والاختلاف والحرية، وملخص لموسيقات العالم...و تحية حب خالصة لفلسطين، ورسالة عميقة من فنان كبير يدعى رياض الفهري، الذي أثبت أن الموسيقى لغة عالمية قادرة على توحيد القلوب وتجاوز الحدود.

سناء الماجري